كتاب تعلم التركية للعرب كورس تأسيسي هام في اللغة التركية

أعترف أنني، حين بدأت خطوتي الأولى في تركيا، كنت أحمل معي أحلامًا كثيرة وبعض المفردات التركية، لكنني، في المقابل، كنت خالي الوفاض من أي استعداد لغوي لمواجهة الحوارات اليومية التي تتقافز في الشوارع والأسواق ومكاتب البلدية، ولم يكن الأمر هيّنًا، ولا يمكنني أن أقول إنني تجاوزته بسهولة، لكن هنالك محطة محورية غيّرت كثيرًا من معالم تجربتي، وهي: كتاب تعلم التركية للعرب.
ما سأرويه هنا ليس مجرد عرض لكتاب، بل شهادة شخصية عن رحلة تعلم شاقة بدأت من نقطة الصفر، حين كنت لا أميّز بين كلمة “ev” وكلمة “elma”، إلى أن أصبحت أقرأ بعض الإعلانات دون حاجة إلى مترجم تركي عربي، وأشارك الجيران بعض النكات الخفيفة بلغة نصفها تركي ونصفها عاطفي.
ما هو كتاب تعلم التركية للعرب؟
هو كتاب موجّه تحديدًا للناطقين بالعربية، سواء كانوا يقيمون في تركيا مؤقتًا أو دائمًا، أو حتى يرغبون في السفر إليها مستقبلاً، حيث يقدّم محتواه بأسلوب مبني على التشابهات بين العربية والتركية، ويبتعد عن الجمل الجافة المقطوعة من سياقها، ليمنح المتعلم لغة حية تُشبه الحياة نفسها.
ما يميّز كتاب التركية للعرب عن غيره، أنه لا يفترض أنك شخص أجنبي يجهل الأبجديات، بل يخاطبك كشخص ذكي، يتقن لغة ويود التسلّق على جدار لغة أخرى، ولهذا تجد التفسيرات داخله تتنقّل بين المنطق اللغوي والشعور الثقافي، دون أن تُغرقك في القواعد أو تُغفلك عن روح الكلمة.
تجربتي مع اللغة التركية على كتاب تعلم التركية للعرب
في البداية، لم أكن أتوقع أن أجد كتابًا موجّهًا لي تحديدًا، كعربي مقيم في تركيا، لكن حين وقع نظري على هذا الكتاب، شعرت بشيء من الارتياح، كأن أحدًا قال لي أخيرًا: هذا لك. بدأت أتصفّحه دون نية حقيقية للدراسة، لكن شيئًا فشيئًا أصبحت أرجع إليه كل يوم تقريبًا، خاصة في المواقف اليومية التي تحتاج إلى تدخل لغوي فوري، مثل التفاهم مع موظف البريد، أو سؤال صاحب البقالة عن الفرق بين نوعي اللبن.
أذكر أن أول جملة طبقتها فعليًا من الكتاب كانت: “Süt hangisi yağsız?”، أي: أيّ الحليب خالٍ من الدسم؟ وقد نطقتها حينها برهبة تشبه رهبة الطالب الذي يقرأ أمام معلمه لأول مرة، لكن المفاجأة أن البائع ابتسم، وفهمني من أول مرة، وكانت هذه لحظة فارقة.
مع الوقت، بدأت أربط بين الكلمات التي أقرؤها في اللافتات وتلك التي تعلمتها من الكتاب، وهنا بدأ عقلي يفتح أبوابًا جديدة، فالكلمة لم تعد غريبة، بل أصبحت مألوفة، وأحيانًا ظريفة، وهذا ما جعل التعلم أقل توتراً، وأكثر ارتباطًا بالحياة اليومية.
ما أعجبني في كتاب تعلم التركية للعرب:
أول ما شدّني في هذا الكتاب، هو طريقة تقديمه للمفردات. لا يعرضها في قوائم ميتة، بل ينسجها في جُمل قريبة من واقعك كعربي يعيش في تركيا. فبدلاً من أن يقول لك “elma تعني تفاحة” وحسب، يقول لك: “Ali elma aldı” ويشرح لك أن عليّ اشترى تفاحة، ثم يعطيك عشر جُمل مشابهة، كأنك تتدرّب مع مدرّب خاص لا يملّ من التكرار.
ثم هنالك نقطة أخرى أقدّرها كثيرًا: الكتاب لا يتجاهلك إن كنت مبتدئًا تمامًا. يبدأ معك من الأحرف وطريقة النطق، لكنه لا يعاملك كطفل، بل كراشد يحتاج إلى أدوات عملية، وهذا ما يمنح القارئ شعورًا بالاحترام.
من الميزات الملفتة أيضًا، أن الكتاب لا يكتفي بشرح الكلمات بل يربطها بالاستخدام الثقافي لها. فمثلاً حين يتحدث عن كلمة “buyurun” لا يشرحها فقط، بل يُبين كيف تُستخدم في السياق التركي اليومي، من المقهى حتى المكتب، مما يجعلك تُمسك اللغة بأصابع الحياة لا بأطراف الورق.
وإن كنت من أولئك الذين يحبون التنظيم، فستعجبك طريقة ترتيب الدروس: كل درس يبدأ بعبارات جاهزة، ثم شرح مبسّط، ثم تمارين، ثم جدول للمراجعة، وكأن الكتاب يحرص ألا تضيّع أي جزء من المعلومة حتى لو كنت تعبًا في نهاية اليوم.
ما لم يعجبني:
رغم أن الكتاب يُركّز على اللغة العربية كلغة وسيطة، فإن بعض الشروحات كانت تحتاج إلى تعميق أكثر، خاصة في الفصول المتعلقة بالتصريفات غير الشائعة أو الأبنية المعقدة.
كذلك، كنت أتمنى أن يكون هناك رابط رقمي أو مرافقة صوتية، لأن كثيرًا من الجمل التي تعلّمتها كان يصعب عليّ التحقق من نطقها، وكنت أضطر للعودة إلى مترجم تركي عربي للتأكد.
وكانت بعض الرسومات أو التصميمات في الكتاب قديمة الطراز قليلًا، مما أفقده بعض الحيوية، خاصة للمتعلمين البصريين الذين يستجيبون للصور والجداول الملونة.
كيف استخدمته؟
استخدمته كنص رئيسي في رحلة تعلمي، كنت أقرأ منه فصلًا، ثم أكتب الجمل المترجمة في دفتر خاص بي، وأكررها بصوت عالٍ كل يوم، وأحيانا أطلب من صديق أن يسمعني كي أتحقق من النطق.
كما ربطت دراستي للكتاب بمراجعة اهم 6000 كلمة في اللغة التركية، فأثناء قراءة القواعد، كنت أحاول إدخال المفردات الجديدة ضمن التمارين الكتابية أو المحادثات اليومية، مما زاد من اندماجي مع المادة.
ما الذي يمكن أن تتعلمه من كتاب تعلم التركية للعرب؟
إن كنت مقيمًا في تركيا، فستدرك أن تعلم اللغة ليس رفاهية، بل ضرورة. والكتاب يمنحك مفاتيح التعامل مع أبسط وأعقد المواقف: من حوار بسيط مع الجيران، إلى مكالمة مع موظف البلدية، بل وحتى حديث خفيف مع بائع الخبز.
كما أن من خلال كتاب التركية للعرب، ستتعرّف تدريجيًا على طريقة تفكير المتحدث التركي، لا من خلال الترجمة الحرفية، بل من خلال التراكيب والتعابير التي تشي بثقافة كاملة وراء اللغة.
ومع الوقت، سوف تبدأ في فهم ما يُقال لك دون ترجمة، وربما، وهذا أجمل ما في الأمر، ستبدأ بالرد، لا بجُمل محفوظة، بل بكلمات تنبع منك، لأنك فهمت السياق والنية.
هل أنصح به؟ ولمن؟
نعم أنصح به، ليس لأنه خالٍ من العيوب، بل لأنه يعرف جمهوره جيدًا ويتحدث بلغتهم. هو ليس كتابًا أكاديميًا ثقيلًا، بل رفيق درب يُمسك بيدك حين تحتاج الكلمة المناسبة.
أنصح به لكل من جاء إلى تركيا بلا إعداد لغوي، ولكل من تعب من تطبيقات الهاتف التي تتكلم ولا تُنصت، ولكل من أراد لغةً تؤهله للعيش لا للنجاح في اختبار فقط.
وهو مناسب خصوصًا للمقيمين العرب الذين لا يجدون وقتًا أو مالًا لدورات اللغة المكثفة، لأن الكتاب يؤمن لك رحلة تعلم يمكن أن تخوضها وأنت تمشي، أو تنتظر، أو ترتشف قهوتك.
كتاب تعلم التركية للعرب
خلاصة تجربتي: الكتاب ليس مجرد صفحات، بل جسر عبور لغوي بين عالمين. تعلمت منه أن الكلمة ليست حبرًا على ورق، بل مفتاح لباب كان موصدًا، وحين تعرف كيف تطرقه، يُفتح لك العالم التركي بأكمله.
جرب الكتاب، اقرأ جملة واحدة كل يوم، لا أكثر، وسترى الفرق بعد شهر. الأمر لا يحتاج عبقرية، بل استمرار بسيط في اتجاه صحيح.
إن كنت تعيش في تركيا أو تنوي زيارتها، فابدأ اليوم. كتاب تعلم التركية للعرب بانتظارك.